حوار| السفير الأفغاني بالقاهرة: نسعى لتأسيس «إفتاء» على الطريقة المصرية لوقف فوضى الفتاوي

السفير الأفغاني بالقاهرة الدكتور محمد ُمحق
السفير الأفغاني بالقاهرة الدكتور محمد ُمحق

 -وجود مكتب لطالبان في قطر جاء بموافقة كابل وضوء أخضر أمريكي
 
-قرار طالبان ليس بيدها والمخابرات الباكستانية تستخدمها لابتزاز روسيا والولايات المتحدة

 
هو ليس سفيرا لأفغانستان في القاهرة فقط، بل هو أيضاً المستشار الثقافي للرئيس الأفغاني أشرف غني.. درس بإيران وحصل منها على شهادة الدكتوراه، وله خبرة واسعة بشؤون الشرق الأوسط والمنطقة العربية.. يتحدث الفارسية والعربية والإنجليزية بطلاقة مدهشة، لذا كان طبيعيا أن يتطرق الحوار مع الدكتور محمد مُحق إلى قضايا مشتركة بين مصر وأفغانستان، فضلا عن ملفات إقليمية ودولية.
 
شهد شهر يناير الماضي زيارة وزير الحج وشئون الأوقاف الأفغاني السيد فيض محمد عثمان، والسيد سيد أنور سادات نائب مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي، ما هو الهدف من تلك الزيارة ذات الطابع الأمني-الديني؟ وما هي الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين؟
 
الزيارة جاءت في المقام الأول بهدف توقيع مذكرة تفاهم مع الجانب المصري من أجل المساعدة في إنشاء دار للإفتاء في كابل، والسبب الرئيس وراء هذا المطلب هو وجود حالة من الفوضى في مسألة الإفتاء الشرعي بأفغانستان، لا سيما خلال العقود الثلاثة الماضية التي شهدت حروبا مزقت البلاد، حيث نصبت جماعات متطرفة مثل داعش وطالبان والقاعدة من نفسها متحدثا باسم الدين، وهو ما تسبب في إراقة الكثير من الدماء من خلال عمليات انتحارية إرهابية جاءت انطلاقا من فتاوى مضللة. وأود ان أشير إلى أن توقيع مذكرة التفاهم مع القاهرة جاء تتويجا لجهود، في هذا الاتجاه، بدأت منذ 10 سنوات بين الجانبين.


-وما هو المذهب الغالب في هذه المدارس الشرعية؟
المذهب الغالب في أفغانستان وهو المذهب السُني الحنفي الذي يتبعه 80% من السكان، وهناك أقلية من الشيعية ينقسمون إلى: الشيعة الجعفرية أو الاثنا العشرية وهو المذهب السائد في إيران، وهناك أقلية داخل الشيعة من الطائفة الاسماعيلية، وهم تابعون لأغا خان زعيم الشيعية الإسماعيلية في العالم.


هل هناك أوجه للتعاون الاقتصادي بين مصر وأفغانستان؟
للأسف ليس في شكل مشروعات كبيرة، ولكن هناك مبادرات فردية من بعض رجال الأعمال الذين حضروا إلى مصر، والعكس لبحث ما يمكن استيراده وتصديره بين الجانبين، لا سيما الدواء المصري. ولكن دعني أخبرك إن سفارتنا هنا في القاهرة والسفارة المصرية في كابل يبحثان خلال هذه الفترة كيفية تطوير التعاون التجاري على نطاق واسع بين بلدينا.
 
على مدار الأسبوع الماضي استضافت روسيا في العاصمة موسكو وفدا من طالبان ومن الخصوم السياسيين للرئيس أشرف غني، بما فيهم الرئيس السابق حامد كرزاي، لبحث عملية السلام في أفغانستان، ولكنها لم تدعو وفدا من السلطة الشرعية التي يمثلها الرئيس أشرف غني، لماذا هذا التجاهل الروسي من وجهة نظركم؟
 أولا: أتحفظ على كلمة خصوم، لأن الرئيس السابق حامد كرزاي ليس خصماً، بل هو معارض  يمارس حقه السياسي في إطار ثوابت وطنية وفي إطار يكفله القانون والدستور، بل أنا كنت شاهداً على جلسات للنقاش والتباحث وتقديم المشورة جرت في قصر الرئاسة وحضرها الرئيس السابق كرزاي بدعوة من الرئيس أشرف غني. ثانيا، وفيما يخص الجانب الروسي يجب أن أوضح أن الدعوة لم تأتي من الحكومة الروسية بشكل رسمي بل هي من قبل مواطنين أفغان يقيمون في روسيا، وربما يكون هناك مجرد تنسيق من جانب الحكومة الروسية، ولكنها ليست صاحبة المبادرة، علما بأن موسكو تباحثت مع حكومتنا عدة مرات في مناسبات عدة بخصوص مسألة المصالحة الوطنية وتبادلنا وجهات النظر في الكثير من الأوقات ونحن دائما على تواصل مع الحكومة الروسية.


ما هو المصير المتوقع لتلك المفاوضات في ظل رفض طالبان التحاور مع الرئيس أشرف غني، وفي ظل تعدد وساطات أطراف ذات مصالح وتوجهات متناقضة: والحديث هنا عن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وباكستان من جانب، وروسيا وقطر من جانب آخر؟
 
 ذلك يعقد المفاوضات للأسف الشديد، ونحن لا يمكننا أن نرضي جميع الأطراف، لا سيما وأن هناك أطراف (رفض أن يُسمها) تعمل وفق أجندات تخالف ثوابتنا الوطنية. . لذا نحن نرحب بأي حوار جاد وبناء للمصالحة ولكن في إطار ما يخدم المصلحة الوطنية الأفغانية. ونحن نطالب المجتمع الدولي بتبني موقف واحد واضح لحل المشكلة، علماً بأن علاقتنا جيدة بكل الأطراف ونريد التفاهم مع الجميع.  وفي نفس الوقت من غير المقبول أن يكون لكل دولة أجندتها الخاصة باسم المصالحة الوطنية في أفغانستان.


 أما فيما يخص  طالبان، فإن قرارها ليس بيدها، بل هي مجرد واجهة وأداة في يد المخابرات الباكستانية تحركها كيفما تشاء، وذلك من أول يوم وُلدت فيه هذه الحركة وحتى يومنا هذا. ولم تستطع طالبان أن تتخلص من السيطرة الباكستانية يوما، ولو حدث ذلك لتم حل مشكلتنا معهم فورا. ولقد باءت الكثير من محاولتنا للتحاور مع طالبان بالفشل بسبب تدخل المخابرات الباكستانية الدائم لإفشال تلك المساعي، فحينما كان أي قيادي من طالبان يُبدي استعداده للتحاور مع الحكومة الأفغانية، تعتقله المخابرات الباكستانية أو تقتله، وآخر هؤلاء الملا عبد الغني براده ، الذي كان نائب الملا محمد عمر زعيم طالبان لسنوات طويلة، بل أن الملا عمر نفسه قُتل بشكل غامض، ولم يٌعرف خبر موته سوى بعد سنتين من التاريخ الفعلي للوفاة. وهناك تقارير وردت في البريطانية تفيد بأن الملا عمر في أواخر أيامه كان مريضا وكان يلقى معاملة مهينة وسيئة في ظروف صعبة، ولم يكن متوافر له الدواء، وهناك من يقول إنه تم قطع الدواء عنه وهو ما أدى إلى موته. في النهاية الجهة التي تقرر هي المخابرات الباكستانية وليس طالبان.


حتى مع تغير شخص رئيس الوزراء في باكستان لا يظل قرار طالبان في يدها؟
أكيد، بل أن لا رئيس الوزراء ولا وزير الخارجية ولا أي جهة في الحكومة الباكستانية تملك قرارها، كلهم مجرد لعبة في يد المخابرات الباكستانية التي تأتي بهم في مناصبهم، وحينما يمل الناس من وجوههم يتم التضحية بهم والإتيان بآخرين، وهي لعبة مستمرة طوال الوقت.


ولماذا هذا العداء من المخابرات الباكستاينة للحكومة الشرعية في أفغانستان؟
قبل أن يكون عداء، أقول إن تلك هي استراتيجيتهم، والتي لها زوايا مختلفة، والنقطة المركزية فيها هو العداء للهند، وامتدادا لهذه الاستراتيجية يرى المخططون لها منذ تأسيس دولة باكستان في 1947، أن أفغانستان يمكن أن يكون عمقا أمنيا لباكستان في مواجهة الهند أو عكس ذلك بمعنى أن الهند قد تستخدم أفغانستان ضدهم، لذا فإن مخابرات باكستان تستخدم طالبان كأداة عسكرية لهم يستخدمونها ضد الهند، وقت الحاجة، وكذلك يتم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل المخابرات الباكستانية في تدريب جماعات إرهابية كما عملوا مع أسامة بن لادن وأيمن الظاهري اللذان تم جلبهما من السودان مع عناصر أخرى ليشكلوا تنظيم القاعدة الذي نفذ عمليات إرهابية في مناطق متفرقة بالعالم، وهنا يظهر البعد التجاري للأمر حيث تتفاوض الحكومة الباكستانية مع الولايات المتحدة لكي تكف أذى هذه الجماعات الإرهابية عنها وتحصل مقابل ذلك على ملايين الدولارات، بل أن المخابرات الباكستانية تبلغ عن هذه الجماعات وترشد  المخابرات الأمريكية عن إحداثياتها مقابل المال، ومن المعروف أن المخابرات الباكستانية حصلت من أمريكا على مدار الـ17 عاما الماضية على 33 مليار دولار مقابل معلومات من هذا النوع.


والشيئ ذاته تفعله مخابرات باكستان مع جماعات من الشيشان حيث تتبناهم وتدربهم وتدعهم ينفذون هجمات ضد أهداف ورعايا روس، وهنا تذهب المخابرات الباكستانية إلى روسيا وتبتزها وتحصل منها على المال مقابل تزويدها بالمعلومات.. الأمر بالنسبة للمخابرات الباكستانية ليس سوى تجارة كبيرة.


الأمر يتعلق كذلك بسوق الطاقة في دول آسيا الوسطى، حيث أنها من أغنى مناطق العالم بالغاز والبترول، ومن يسيطر عليها يكون له مستقبل اقتصادي كبير في العقود المقبلة، وهناك تنافس بين الهند وباكستان للوصول إلى تلك المنطقة، وهنا أيضاً تظهر الأهمية الجغرافية لأفغانستان في هذا الصراع، حيث أن من يسيطر عليها يكون له حدود مباشرة مع أسيا الوسطى.


  مصلحة المخابرات الباكستانية تتطلب أيضا إضعاف الدولة الأفغانية ومؤسساتها الأمنية، الجيش والشرطة، حتى تكون طالبان هي المسيطرة، بل أن طالبان وبمجرد وصولها للحكم بعد طرد الاحتلال السوفيتي، كان أول ما فعلته هو حل مؤسستي الجيش والشرطة، وإلغاء المنظومتين التعليمية والقضائية واستبدالها بمحاكم شرعية أنشأتها الحركة.


كيف ترون وجود مكتب تمثيل سياسي ودبلوماسي لحركة طالبان في قطر؟
  لقد كان ذلك بناء على موافقة من الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، وهو ما سمحنا به للدوحة كي يكون هناك عنوان واضح لطالبان كي نستطيع الاتصال بهم والتحاور معهم.. طالبان موجودة في باكستان ولكن تلك الأخيرة تنكر!
لذا فإن وجودهم في قطر له فائدة بالنسبة لنا، حيث أن مكتبهم بقصد المصالحة وليس بقصد تقديم الدعم المالي مثلا لطالبان.


هل لديكم معلومات محددة بتواريخ وأرقام عن نية الإدارة الأمريكية سحب قواتها من أفغانستان؟
الحكومة الأمريكية من أعقد الحكومات في العالم على مستوى التشكيل الإداري، وتبدو كل مؤسسة فيها كدولة مستقلة، وهو ما يجب أخذه في الحسبان. وقد تكون الرؤية في وزارة الدفاع مثلا مختلفة عن رؤية الخارجية أو البيت الأبيض. وفي أحيان كثيرة لا يكون بينهم تنسيق. وفي عام 2010 مثلا كان للبيت الأبيض موقف من الحرب في أفغانستان بينما للبنتاحون موقف آخر، وهو ما شرحه وزير الدفاع الأسبق روبرت جيتس (وزير الدفاع في عهد باراك أوباما)  في كتاب أصدره بعد خروجه من الخدمة، حيث أوضح أنه كان يدير حربين: حرب على الأرض في أفغانستان وحرب أخرى مع البيت الأبيض، حيث كانت رؤية أوباما أيضا مشابهه لرؤية ترامب، إذ كان يرغب في الانسحاب من أفغانستان، ولكن العسكريين في البنتاجون كان لهم رأي مختلف.


 وهل ترون  نفس الوضع القائم حاليا؟
لا أعرف وليس من تخصصي أن أحكم على ذلك، ولكن ذلك التخبط يؤثر علينا بالسلب بشكل عام.


إذا لا جدول واضح لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؟
هناك كلام كثير داخل الولايات المتحدة وخارجها.. ومواقف الرئيس الأمريكي لا تحظى بالاجماع في مؤسسات الدولة، حيث أن كثيرين يعارضون ترامب في الكونجرس والبنتاجون. ولكن الشيئ الذي يجمعون عليه في واشنطن هو أنهم لا يرغبون في إسقاط نظام الحكم الحالي في أفغانستان بل يريدون استمراره لكي يستمر ما أنجزناه على مدار العقدين الأخيرين في مجال التعليم والإعمار وعلى مستوى حقوق الإنسان. ولكن مسألة الانسحاب غير محسومة حتى الآن.
 
 بما أن معاليكم درستم في إيران وتعرفونها جيدا، ما هي طبيعة علاقتكم بطهران وهل حاولتم التوسط بينها وبين السعودية فيما يخص قضايا الشرق الأوسط؟
منذ إرساء نظام الحكم في أفغانستان بعد سقوط طالبان عقب أحداث 11 سبتمبر، وسياستنا هي بناء علاقات جيدة مع الجميع ولكن لا نقترب من جهة بما يخرب علاقتنا بجهة أخرى، وننطلق في ذلك من مواقف وطنية وليس من منطلقات أيدولوجية، وفي ظل اقترابنا من الولايات المتحدة على مدار السبعة عشر سنة الماضية، حاولنا أيضا  ألا نقع في فخ الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وابتعدنا عن هذا الصراع. كما لا يمكن أن نتجاهل أن مليون لاجئ أفغاني يعيشون في إيران، ونحن مشتركون معهم في اللغة والحدود والتاريخ، وإيران توفر لنا منفذا على البحر لأننا بلد بلا مرافئ بحرية. والحكومة الإيرانية تمنح طلابنا منحاً دراسية وتساعدنا في المشروعات التنموية.


وبالنسبة للملكة العربية السعودية، فقد كنا مصرين على مدار 17 عاما، على تعزيز العلاقات معها فهي بلد الحرمين الشريفين، إضافة إلى الدور السعودي في الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي، ومساعدتهم للشعب الأفغاني عموما. كما أن السعودية تساعد في توصيل الصورة الحقيقية عن الوضع في أفغانستان في دول شبه الجزيرة العربية. ولكن بخصوص التوسط، فأنا لم أسمع عن أي محاولة لفعل ذلك من قبل أفغانستان لا سيما وأن بلدان أخرى كسلطنة عمان تمتلك خبرة أفضل في هذا المضمار.